حفل تخريج طلاب جامعة فيرجينيا كومنولث
الولايات المتحدة الامريكية , 22 مايو 2010
حضرة الرئيس راو، أعضاء مجلس الزوار، أعضاء الحفل الرئاسي الموقّرين، أيها الخريجون والأهالي، أيها الحفل الكريم
منذ نحو أسبوعين وعلى بعد بضعة آلاف الأميال من هنا، في دولة قطر الواقعة في منطقة الخليج العربي، وجّهت كلمة إلى خرّيجي المدينة التعليمية، ومن بينهم مجموعة من خريجي جامعة فيرجينيا كومنولث في قطر.
لقد رأيت في عيونهم، كما أرى اليوم في عيونكم، حسّا هائلا بالنجاح، بالحماسة والسعادة. لقد عملتم بجهد خلال السنوات الماضية وها أنتم اليوم تقطفون ثمار كافة جهودكم. فهنيئا لكم.
أود باديء ذي بدء أن أعرب عن مدى إعتزازي بمخاطبتي حفل تخريج طلاب جامعة فيرجينيا كومنولث. فأنا أشعر هنا وكأني في موطني خاصة وأن الضيافة الجنوبية الغنية عن التعريف التي تتميزون بها وقيمكم تذكرني كثيرا ببلادي. ولعلّ هذا هو السبب الذي مكّننا من بناء هذه الشراكة المتينة منذ البداية.
إن جامعة فيرجينيا كومنولث هي أول شريك جامعي لمؤسسة قطر. فهي آمنت برؤيتنا وألهمت العديد من المؤسسات التعليمية بأن تحذو حذوها. الآن وبعد مضي نحو 12 عاما، لقد باتت جامعة فيرجينيا كومنولث في قطر كلية التصميم الرائدة في منطقة الشرق الأوسط ولقد خرّجت أكثر من 250 طالبا، غالبيتهم من النساء القطريات.
يوجد في هذه القاعة ثمانية من الشباب القطري – ينتمي أربعة منهم إلى مجموعة الخريجين القدامى فيما الأربعة الباقون هم من طلاب جامعة فيرجينيا كومنولث في قطر. يأتي هؤلاء الطلاب من بلد يبعد آلاف الأميال، لغتهم الأم وثقافتهم مختلفة، ولكنهم يتحلّون بالقيم والمباديء نفسها التي تتحلّون بها.
إذا ما سنحت لكم الفرصة لزيارة بلدنا والتجوال في أحد أسواقنا التقليدية، سوف تشهدون كيف تمكن خريجي جامعة فيرجينيا كومنولث من التفوّق في عالم الأعمال والمشاريع من خلال تطبيق علومهم على بيئتهم التقليدية. إنهم يصنعون بيئتهم بطريقة خلاقة وديناميكية. وهذا ما أودّ التطرّق إليه بشكل مقتضب اليوم.
أود أن أتكلم عن القدرات – القدرة الموجودة لدى أيّ فرد. توجد في داخل كلّ منّا طاقة تنتظر إكتشافها.
والعلم هو أحد أقوى الوسائل التي تمكن الفرد من إكتشاف الوعد الذي تحمله. فالتعليم يزوّدنا بالأدوات المناسبة التي تمكننا من حفر بصماتنا في عالمنا من حولنا.
سواء في قطر أو في الولايات المتحدة الأميركية، فإن هؤلاء الخريجين مزوّدين بأحدث وأعظم الأدوات التقنية. فالتكنولوجيا (وسائط إجتماعية، إنترنت ألخ ...) حوّلت طريقة جمعنا للمعلومات وطريقة تواصلنا، كما حوّلت طريقة قيامنا بالأعمال بشكل ما كنّا لنتصوره منذ بضعة أعوام.
فهذه تغييرات دراماتيكية حدت بكم حين تتحدثون مع شخص تجاوز الأربعين من عمره، إلى التساؤل عن كيفية تدبيرنا لأمورنا دون الهواتف الخلوية ودون الحواسيب! دعوني أؤكد لكم، بطريقة أو بأخرى، لقد أبلينا البلاء الحسن!
ما أود قوله هو أن التقنيات المحيطة بكم ليست أكثر من مجرد أدوات. فبشكل يومي، تغدق علينا التكنولوجيا سيلا من المعلومات من خلال الأخبار المستقاة من شبكات الأنترنت على مدار الساعة. لم يعد بالإمكان لأي حدث مهما كان غامضا أو بعيدا أن يخفى عنا، بل بات يُعاد نشره بإستمرار، يتم التعليق عليه وتحليله حتى يتم تفريغه من مضمونه.
كما بات بوسعنا الدردشة على موقع فيسبوك، والإنضمام إلى مجتمعات إفتراضية لا متناهية وإستخدام موقع تويتر قدر ما شئنا. والنتيجة؟ هل بتنا نعرف أكثر؟ هل بتنا أكثر إرتباطا كمجتمع إنساني واحد؟ أو بتنا، كما يقول أوسكار وايلد وأقتبس : نعرف ثمن كل شيء دون أن نعرف قيمة أي شيء؟
ربما يتعيّن على الكثيرين طرح سؤال حول كيفية إستخدام المعلومات والتكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، لقد ساهم فضولنا وإبداعنا وإستخدام التكنولوجيا في الحصول على معلومات جديدة حول طبيعة جسم الإنسان ووظيفة العقل البشري. كما ساهم في إطالة عمر أولئك الذين يعيشون في مجتمعات ثرية توفّر لهم رعاية طبية عالية الجودة. كما ساهمت التكنولوجيا في إختراع أدوية لعلاج العديد من الأمراض.
ولكن، هل يعني ذلك أن هذا النوع من المعرفة تم إستخدامه لتحسين البشرية جمعاء؟ أم أن هناك تشابك بين المعرفة والسلطة إلى حدّ باتت معه المعرفة الوسيلة للمحافظة على السلطة؟
منذ فترة قصيرة، تأثرت بقدرة الإنسان على إستخدام التكنولوجيا والمعرفة من أجل تحقيق خطوات ملموسة بإمكانها تغيير مسار حياة العديد من الناس.
لقد حظيت بإمتياز زيارة دولة اليمن للإطلاع على مشروع صلتك الذي أطلقناه في أنحاء البلاد كافة. ترمي صلتك إلى تطوير قدرات الشباب من خلال تزويدهم ببعض الأدوات الأساسية التي تخولّهم شقّ طريقهم بنجاح بوصفهم أصحاب مشاريع.
لقد إلتقيت في اليمن مجموعة من الشباب المثيرة للإعجاب التي تلقّفت الفرص من أجل تحويل الأحلام إلى حقيقة. لقد عرف هؤلاء الشباب عن حقّ معنى إستخدام المعلومات من أجل إنشاء المعرفة الحقيقية. في الواقع، لقد تمكنوا من تخطي درجتي المعلومات والمعرفة ووصلوا إلى مرحلة الحكمة.
هناك قول شائع مفاده بأن الحكمة تُكتسب مع الزمن، ولكنني لا أوافق هذا القول بالضرورة. يوجد العديد من الشباب الحكماء والعديد ممّن تنقصهم الحكمة وممّن يكبرونهم سنّا. يوجد العديد من الأميين ممن يتمتعون بالحكمة بالفطرة والعديد من الأساتذة اللامعين الذين تنقصهم الحكمة.
إن الشباب الذين إلتقيتهم في اليمن والذين إستخدموا بإبداع جميع الأدوات المتوفرة لديهم من أجل تحقيق النجاح، جعلوني أدرك بأنه ليس بإستطاعة التكنولوجيا تعليمنا الحكمة.
دعوني أقدم لكم مثالا آخر يتعلق بطلابنا في غزة، حيث يتعرض الحق في التعليم لضغط هائل جراء الحصار المفروض على غزة. لقد أطلقنا العام الماضي هناك برنامج الفاخورة التعليمي. بصراحة لقد أُصبنا بحالة من الذهول والتواضع لدى مشاهدتنا لقدرات طلاب غزة. فلقد تمكن هؤلاء الطلاب من مواصلة تعليمهم حتى دون مبان ومنشآت، وهذا ما يدل على إصرارهم. فهم ينقضّون على أي فرصة لبناء مستقبلهم.
إذا كلاّ. لا تستطيع التكنولوجيا تعليمنا الحكمة. لكن بإمكان التواضع، الصبر والصمود تعليمنا ذلك. كما بإمكان القدرة على إدراكنا لموقعنا في المجتمع الإنساني بكل بساطة تعليمنا ذلك. فالتصرف الخالي من الأنانية والرامي إلى الخير الأعظم، هو الحكمة العظمى بعينها.
هذه هي الرسالة التي آمل أن تفكّروا مليّا بها. أننا، نحن كبشر نحمل في داخلنا قدرات أعظم من أي تطور تكنولوجي وأن عقولنا أقوى من أي حاسوب. ما يوحّدنا كبشر هو فضائلنا المشتركة، تعاطفنا والرغبة في ترك بصمة في هذا العالم. وهذه الفضائل هي التي بإمكانها التفوق على أية عجائب تكنولوجية.
بعد كل ذلك، إن المستقبل الذي بإمكاننا صنعه بإنتظاركم، كما أنه بإنتظار خريجي جامعة فيرجينيا كومنولث في قطر والطلاب الذين تحدثت إليهم في اليمن وغزة.
ولكن هنا يكمن السّرّ، لا تدعوا التكنولوجيا تبهركم، تذكروا دائما بأنها وسيلتكم وليست غايتكم. ولا تستخفّوا أبدا بقوة وقيمة العمل الصالح والنشاط الإيجابي مهما بدا صغيرا وتافها بالنسبة إليكم. لأن القرآن الكريم يخبرنا بأن الكلمة الحسنة بمثابة الشجرة المثمرة، جذورها ثابتة وأغصانها في السماء.
لذا أقول لكم جميعا اليوم، تحلوا بالصلابة وإسعوا نحو القمة.